السحاب والمطر:
تطورت الأرصاد الجوية إلى علم في القرن التاسع عشر بينما يرجع تاريخ اعتبارها فرعاً من فروع المعرفة إلى العصور الأولى لحضارات الإنسان ويمكن تقسيم تاريخ الأرصاد الجوية كما ذكر (فريز نجر) إلى ثلاث فترات أساسية على النحو الآتى:
الفترة الأولى: (من سنة وفيها 600ق.م - 1600م) وهي ما تسمى بفترة التخمين فيها كانت أفكار الفيلسوف الاغريقى أرسطو علم الأرصاد هي السائدة في ذلك الحين.
الفترة الثانية: (من سنة 1600م - 1800م) وهي الفترة التي يمكن تسميتها " فجر علم الأرصاد الجوية" وأهم ما يميزها: هو بداية اختراع وتطور أجهزة الأرصاد. وقد بدأت قياسات العناصر الجوية في هذه الفترة تأخذ طابع التناسق والاستمرارية، وقد وصفت في هذه الفترة أساسيات الأرصاد الجوية الحديثة التي ظهرت في القرنين السابع عشر،والثامن عشر.
الفترة الثالثة: بدأت مع بداية القرن التاسع عشر، وفيها أصبحت الأرصاد الجوية علماً من العلوم التطبيقية ومنذ ذلك الحين شاركت العلوم الأخرى كالرياضيات والفيزياء والكيمياء في دراسة وفهم طبيعة الغلاف الجوى.
وهكذا ظهرت الأرصاد الجوية وتطورت في الحضارات الأولى العظيمة في أفريقيا (قدماء المصريين ) وأسيا (البابليون) وجنوب وسط أسيا (الهندوس والتتار) وشرق أسيا (هوانج هو ويانجتز) ولكن معظم معلوماتنا ترجع إلى قدماء المصريين والبابلين. ففي مصر (3500ق.م ) أخذت الأرصاد الجوية الطابع الدينى فقد اعتقد قدماء المصريين أن الظواهر الجوية المختلفة تخضع للآلهة. بينما ربط البابليون (3000-300 ق. م) بين الظواهر الجوية وعلم الفلك بما عرف في ذلك الحين بالأرصاد الفلكية. وبالرغم من أن أول رصد للظواهر الجوية كان بواسطة اليونان القدماء (600ق.م) إلا انه لا يوجد دليل يدل على أنهم فهموا عملية تكوين السحب حتى بعد أن ظهر مؤلف (أرسطو) (300ق.م) تحت عنوان (الأرصاد الجوية) والذي كان يمثل كل ما عرف في ذلك الحين عن الأرصاد الجوية. وفيه يصف الغلاف الجوى بأنه "المنطقة المشتركة للنار والهواء" وأن الشمس هي العامل الرئيسي والأول لتكون السحب لأن عمليتي التبخر والتكاثف هما نتيجة قرب أو بعد الشمس عن الأرض وهذا يسبب تكون أو تبدد السحب.. وتعتمد نظريته على أنه لا يمكن أن تتكون السحب في علو يزيد عن قمة أكثر الجبال ارتفاعاً، لأن الهواء بعد قمة الجبل تحتوى ناراً نتيجة حركة الشمس الجغرافية. ولا تتكون السحب قريباً من سطح الأرض بسبب الحرارة المنعكسة من الأرض.
المفاهيم القديمة عن البرد والرعد والبرق:
شاهد الناس منذ القدم ظواهر البرد والرعد والبرق وبالرغم من اختلاف ردود فعلهم ودوافعهم في التعامل معها، فإنهم أجمعوا على عبادتها وتقديم القرابين بين يديها، إما فرقاً من هالة المشهد الذي تكون هذه الظواهر مسرحاً له، وإما خوفاً مما تحمله أو تنذر به. فحضارة الرافدين وسوريا وحضارة الصين والهند، وكذا حضارة الأغريق، كلها تشهد بذلك.
ففي حضارة الرافدين والشرق الأوسط على العموم تبين كتب التاريخ وبعض الآثار المنقوشة على الحجر أنهم كانوا يرمزون إلى الرعد بشارات إما على صورة مخاريق برقية أو حزم من الصواعق تقذف بها الآلهة. أما العصر الحثى (الحثيون: شعب فتح آسيا الصغرى وسوريا في الألف الثانية قبل الميلاد) في شمال سوريا فتميز بأن معبود الطقس كان الإله الرئيس ومعبود الكل، رعية وملوكا. أما الحضارة الصينية فتكونت لديها أسطورة أكثر تعقيداً إذ ظهر بها ما يسمى بمجلس وزراء أرباب العواصف الرعدية ومساعديهم من النبلاء فكان يرأس المجلس المكون من خمسة آلهة وإلهة - إلهة الرعد "لى تسو" كما يظنون، أما الربة "تين ميو" إله البرق فكانت تتميز عن الآخرين بحملها مرآتين لتوجيه الشرارات المحرقة، بينما الرعد باعتباره صوتاً فكان من اختصاص النبيل الكونت "لى كونج" قارع الطبول، وهكذا كانوا يتوهمون !!
واختصت الهند من بين التراث الأسطوري للشعوب بأن ظهر فيها مفهوم ما يسمى "بالضجرا" (الحجر باللغة السانسكريتية) أو الحجر الساقط من السماء. ففي العقد الأخير من الفترة المهيانية أطلق على بوذا اسم "فاجرا ستفا" أي: (الكائن الحامل للصواعق) تجسيداً للحقيقة المطلقة. وهناك صورة أخرى لبوذا تحمل اسم " فاجر ادهارا " أي صاحب الرعد " ويجسدونه بتمثال معبود في جلسة تأملية خاصة، ماسكاً بحجر ( صاعقه ) بيده اليمنى أمام صدره، وبجرس في يده اليسرى على فخذه وهكذا تفشت الأوهام. أما التفكير التأملي في هذه الظواهر باعتبارها ظواهر طبيعيه فكان منشؤه عند الأغريق على الأرجح ما بين القرنين العاشر والتاسع قبل الهجرة حيث لمعت أسماء " أنا جزجوراس " و " امبيدو كليس " و" كليديموس " وغيرهم مناظرين في هذه المسائل. واشتهر من بينهم " أرسطو " بتأليفه لكتاب جامع جمع فيه أقوال علماء زمانه ومن قبلهم، وسماه " علم الأرصاد " وهو المشهور بكتابه الثاني من بين مؤلفاته.
خلاصة المفاهيم القديمة:
ويمكن لنا تلخيص المفاهيم والرموز التي كانت سائده في حضارات البشر قبل البعثه المحمدية فيما يلى:-
1-الرعد:
- سوط ( حضارة الرافدين)
- احزمه صواعق ( حضارة الرافدين)
- قرع طبول (الصين)
- حجر ساقط ( الهند ) -ريح ( أرسطو: اليونان)
- أزيز النار المنطفئة (امبيدوكليس واناجزا جوراس: اليونان)
- ضرب السحاب) ( كليديموس: اليونان) - جرس ( الهند).
2- البرق:
- مخاريق (حضارة الرافدين)
- مرايا محرقه ( الصين)
- التهاب الريح ( أرسطو: اليونان)
-وميض نار ( امبيدوكليس وأناجزا جوراس: اليونان )
- تلآلؤ الماء ( كليديموس اليونان)
الحقبة الإسلامية: يقول (ابن خلدون): ( إن العرب لم يكونوا أهل كتاب ولا علم، لغلبة الأمية والبداوة عليهم، وإذا ما استشرفوا إلى معرفة شئ مما تتشوق إليه النفس البشرية، في أسباب المكونات، وبدء الخليقة، وأسرار الوجود، فأنهم يسألون عنه أهل الكتاب، إلى أن جاء الإسلام فبدؤا يحتاطون لما له تعلق بالأحكام الشرعية فيتحرون فيه الصحة ولا يبالون بغيره ). وانطلاقا من هذا الكلام قمنا باستخراج الأحاديث والآثار والأخبار التي لها تعلق بتفسير ظواهر البرق والرعد، والبرد والصواعق، وخرجنا أحاديثها فتوفر لنا منها ما ينوف على 60 وجها وما يربو على 166 طريقا، وتعقبناها بالبحث في أسانيدها، حسب القواعد العلمية، وخرجنا بالنتائج التالية:
1- لم نحصل على حديث صحيح مرفوع إلى رسول الله صلى الله في هذا الشأن.
2- أكثر الأخبار الواردة في تفسير هذه الظواهر وردت موقوفة على أصحابها.
3- استطاع أصحاب الحديث بتتبعهم للرجال جرحاً وتعديلاً، وبدراستهم لعلل الروايات أن يمحصوا كل ما نسب خطأ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقيت الأخبار المستفادة من التوراة والإنجيل أو أقوال الاقدمين موقوفه على أصحابها ممن دخلوا في الإسلام.
4- وقفنا على حديث واحد (لأبى هريرة) وكعب الأخبار موقوفا عليهما رضي الله عنهما، ولم ينسباه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن البرق هو: اصطفاق البرد " ( تفسير الدر المنثور: الرعد: 13) أي: اضطراب البرد، وقد جاء في لسان العرب ( الريح تصفق الأشجار فتصطفق. أي تضطرب ) وكما في حديث أبى هريرة رضى الله عنه " إذا اصطفق الآفاق بالبياض " أي: اضطرب وانتشر الضوء واصطفاق المزاهر: إذا أجابت بعضها بعضا، واصطفق القوم: تقاربوا ( النهاية في غريب الحديث3/38، ولسان العرب ). وهذا المعنى أقرب ما يكون إلى صريح الآية: ( الم تر أن الله يزجى سحابا ثم يؤلف بينه ). الرابطة بين البرق والبرد وإلى ما يعرفه العلم الحديث.
وسواء أكان الحديث من كلام (كعب) أخذه عن (أبى هريرة) رضى الله عنه أو العكس، فهذا المعنى غير مسبوق مما يؤكد أصله الإسلامي لوروده في الآية الكريمة.
السحاب الركامى في علم الأرصاد:
أ- بداية التكوين:
(ألم تر أن الله يزجى سحابا) السحاب الركامى يبدأ بأن تسوق الرياح قطعاً من السحب الصغيرة إلى مناطق تجميع يؤدى سوق قطع السحاب لزيادة كمية بخار الماء في مسارها - وخاصة أول منطقة التجمع - وهذا السوق ضروري لتطور السحب الركامية في مناطق التجمع كما في ( شكل 2 ) ففي هذا الشكل نرى أن المناطق B,C,D تمثل مناطق تجمع ويستدل على ذلك من حركة الرياح التي تبين في الشكل بالأسهم، ويظهر منها تجميع للهواء في هذه المناطق، بينما المنطقة (A) تمثل منطقة تفرق، حيث نجد أن الهواء لا يتجه إليها